تحقيقات وتقارير

الكيف والجريمة وجهان لعملة واحدة.. المخدرات سبب الكوارث وعدو التنمية

إحصائيات رسمية: 80% من المتهمين ارتكبوا جرائمهم تحت تأثير المخدر

■ تحقيق – وليد الصعيدي:

تحية لبواسل «الداخلية» .. وجهود حكومية لتطهير الجهاز الإداري للدولة من المتعاطين

 

تشهد مصر في السنوات الأخيرة انتشارا هائلا لتعاطي المواد المخدرة بأنواعها المختلفة، خاصة بين الشباب، ووصلت نسب الإدمان إلى مستويات غير مسبوقة، حسب إحصائيات وتصريحات رسمية، وأصبح من غير المستغرب أن تجد تجار المخدرات في الشوارع يبيعون المواد المخدرة لزبائنهم بشكل علني، أو أن تجد مجموعات من الشباب يتعاطون المخدرات بأريحية، رغم جهود وزارة الداخلية في ملاحقتهم والتصدي لهم، وما حدث الأسبوع الماضي ينبغي أن نتوقف عنده كثيرا، ونبدأ بتحية كبيرة لـ«البواسل» الذين شاركوا في أكبر ضربة أمنية لتجارة المخدرات في التاريخ، التي أدت إلى ضبط 2 طن هيروين نقي فى البحر الأحمر تقدر قيمتها السوقية بـ2 مليار جنيه.

فالإحصائيات والدراسات الرسمية تكشف حجم الكارثة، وما خفى كان أعظم، خاصة، وأن الدراسات أظهرت أن الكارثة بدأت تنتشر فى المدارس، ففى النصف الثانى من عام 2017، أعلنتها وزارة التضامن الاجتماعى، أن نسبة التدخين بين طلبة المدارس الثانوى “العام والفنى”، بلغت 12.8%، وفق المسح القومى عن التدخين والمواد المخدرة والكحوليات بين طلبة المدارس الثانوى “العام والفنى”، وتعاطى مخدرات بلغت 7.7٪، ونسبة تعاطى الكحوليات 8.3٪ وتم إجراء المسح فى 13 محافظة.

كما كشفت الإحصائية أن 10% من المصريين يتعاطون المخدرات، وهذا ضعف المعدل العالمى، وأن 27.5 % من متعاطي المخدرات إناث، وأن سن تعاطي المخدرات انخفض إلى 10 و11 عاما، ففى الفئة العمرية من 12 إلى 19 سنة بلغت 10%، و37.8 % في الفئة العمرية من 20 إلى 29 سنة.

أرقام مفزعة

فى البداية يقول إبراهيم عسكر، مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان بوزارة التضامن الاجتماعي: إن تعاطي المخدرات في مصر تسبب وبجود مشاكل اجتماعية وانحرافات أخلاقية كثيرة بجانب العديد من أشكال العنف، وأوضح أن 80% تقريبا من الجرائم التي تم ارتكابها في البلاد كانت بسبب تعاطي المواد المخدرة، فسن التعاطي انخفض إلى 9 سنوات، وأن نسبة تعاطي السائقين للمخدرات على الطرق السريعة 12%، بالأضافة أن أصدقاء السوء مسؤولون عن 58% من حالات الإدمان.

ويحذر من نوع جديد من العقارات المخدرة التي بدأت تنتشر بشدة في مصر، وهو الأستروكس الذي قد يؤدى إلى الموت المفاجئ، مشيرا إلى أن سعره الرخيص، نتيجة أن تركيبته من نباتات وأدوية، جعلته ينتشر بشدة، خاصة في أوساط الطبقة الفقيرة، كما ان أسباب خطورة الأستروكس، في رحلة العلاج منه أطول من أي نوع آخر من المخدرات، وربما تصل إلى 3 سنوات، كما أن المدمن يظل دائما عرضة للانتكاسة في أي وقت في أثناء العلاج، وهو ما يستلزم رغبة وإرادة قوية من المتعاطي للتعافي منه.

أخطر من الإرهاب

ويوضح اللواء مجدي البسيوني، مساعد وزير الداخلية الأسبق، أن المخدرات كانت فى الستينات لا تخرج عن “الحشيش والأفيون”، ثم بدأ الهيروين ينتشر، وكل هذه المخدرات صناعة خارجية لتدمير شباب مصر، والهيروين، كان القصد منه القضاء على الأغنياء لأن الطبقة العاملة لم تقوى على شراء الهيروين لأنه باهظ الثمن، فسمعنا كثيرا عمن باع أرضه وقصوره وسيارته من أجل الهيروين، ومن لم يستطع شراء المخدرات يتوجه لاستنشاق “البنزين، والكُلة، وغيرها”.

ويشرح البسيونى، عندما استشعرت بعض الدول الاستعمارية، أنها هدمت الشباب الأثرياء لجأت إلى سلعة مخدرة رخيصة لا تتجاوز بضع جنيهات، حتى تكون فى متنازل الفقراء، وهو البانجو، ثم العقاقير المصنعة كميائيًا، وانتشرت المخدرات بأشكالها بين الشباب والطلاب فى المدارس والجامعات، حيث أصبحت المخدرات متفشية وارتفع عدد المدمنين، وحينما يدمن الشاب تنعدم عنده العاطفة والإنسانية، فيلجأ لأى وسيلة توفر له المال لشراء المخدرات ومن هنا تأتى جرائم السرقة والقتل وغيرها.

ويؤكد مساعد وزير الداخلية الأسبق، أن المخدرات أخطر من الإرهاب الذى نواجهه حاليًا، لأن الإرهاب محدود الأماكن والعناصر، لكن المخدرات قد تدخل بيوتنا وتدمر أبنائها ونحن لا ندرى، لكن جهود الأجهزة الأمنية وحدها لا تكفى للحد من انتشار المخدرات، ولكن يجب أن تتكاتف الدولة بدءًا من الأسرة وحتى المدارس والجامعات، والمؤسسات الحكومية، فيجب حينما نشك فى أن شخص يتعاطى مخدرات نحلل له، وإذا ثبت إيجابية العينة يتم فصله من عمله، أو إن كان طالبا يتم فصله عام دراسى مثلا.

أفعال اجرامية

وتؤكد الدكتورة سهير عبد المنعم، أستاذ القانون الجنائى بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، ارتباط الجريمة بتعاطى المخدرات، وإذا كان هناك أسباب اجتماعية واقتصادية وثقافية مرتبطة بالعنف، فالمخدرات والمسكرات مرتبطة ارتباطا وثيقا بالعنف، والسرقة والنصب، فمتعاطى المخدرات والمسكرات يفقد السيطرة على نفسه وعلى أفعاله، ويدمر نفسه وأسرته، ما ينتج عنه تفكك فى العلاقات الأسرية، حيث يصل المدمن للدرجة التى يمكن خلالها أن يبيع نفسه وغيره، مطالبة بتعديل قانون مكافحة المخدرات، فيما يتعلق بالمتعاطى، فالمتعاطى يجب أن ننظر إليه كنظرتنا للمريض.

وتوضح سهير عبد المنعم، أن القانون المصرى يعاقب المتعاطى بالسجن المشدد، ولو ثبت للقاضى أن المتعاطى وصل لدرجة الإدمان من حقه أن يوقف العقوبة ويضعه فى مصحة، والأفضل أن يكون هناك تدرج فى العقاب، فمثلا إذا تم القبض على متعاطى لأول مرة نعطيه دورة تأهيلية كى لا يعود للتعاطى مرة أخرى، وإذا ألقى القبض عليه مرة أخرى نحكم عليه بالعمل فى خدمة المجتمع، ونجعل السجن عقوبة الاتجار وليس التعاطى.

وتؤكد أستاذ القانون الجنائى، أن الاتجار يؤدى إلى التعاطى والعكس، فمثلا متعاطى المخدرات حينما ييأس من الحصول على أموال لشراء المخدر، يلجأ مرغما إلى الاتجار لتوفير المخدر، وهنا تكمن الخطورة.

الإعدام للتجار

وفي محاولة لمواجهة انتشار المواد المخدرة بين الشباب، اقترح مجلس الوزراء مطلع الشهر الجاري تعديل قانون مكافحة المخدرات وأحاله إلى البرلمان.

وقال الناطق باسم مجلس الوزراء، إن القانون المقترح يغلق الثغرة التي يستغلها تجار المخدرات لجلب مركبات جديدة غير التي تم إدراجها بجدول المخدرات لتصنيع المخدرات المخلقة، ومن أشهرها الأستروكس والفودو والفلاكا.

ويعاقب القانون بالإعدام كل من جلب أو صدر جواهر تخليقية ذات أثر تخديري أو ضار بالعقل أو الجسد أو الحالة النفسية والعصبية، ويعاقب بالسجن المؤبد كل من حاز أو أحر بقصد الاتجار الجواهر المشار إليها، ويعاقب بالسجن المشدد إذا كانت الحيازة والإحراز بقصد التعاطي.

كما بدأت الحكومة الشهر الماضي حملة للكشف عن تعاطي المخدرات بين موظفي القطاع الإداري للدولة، مع التأكيد أن الموظف الذي يتم التأكد من تعاطيه المخدرات، سيتم فصله من العمل نهائيا وإحالته للنيابة العامة.

مجتمع مهترئ

ويقول طه أبو حسين أستاذ علم الاجتماع بجامعة أسيوط: إن هذا العدد من المتعاطين الذي يزيد عن 10 مليون شخص، يشير بوضوح إلى أن المجتمع المصري أصبح مجتمعا مهترئا، يقترب من الانتحار، ويأكل نفسه بنفسه.

ويؤكد أبو حسين، أن هذه النسبة الكبيرة من المتعاطين، تعني أن ملايين المواطنين أصبحوا يتجهون إلى إهلاك أنفسهم بأنفسهم عن طريق تعاطي هذه السموم، لافتا إلى أن خطورة الوضع كانت تتطلب إلقاء الضوء في وسائل الإعلام المختلفة على هذه الظاهرة، لكن الواقع هو أن الإعلام يشجع على الإدمان، بطريقة غير مباشرة، عن طريق تقديم مشاهد التعاطي على أنها جلسات سعيدة ومبهجة.

ويضيف أبو حسين، إن عدم وجود اتفاق على قضية عامة واحدة يعد أحد الأسباب أيضا؛ حيث يفتقد المجتمع روح التواصل التي تنشأ بسبب الالتفاف حول قضية عامة مشتركة تجمع الناس، مثل: الحرب أو المشروع القومي أو حتى الكارثة، كذلك فقد المجتمع في السنوات الأخيرة أساسيات العلاقات الاجتماعية التي كانت موجودة فيه منذ عقود طويلة، وأصبح المجتمع يحتاج إلى إعادة تربية وإعادة توجيه وإعادة تعريف النشء والشباب بمفاهيم بديهية، مثل الأخلاق والثوابت الدينية والوطنية.

ويشير أبو حسين، إن تشديد العقوبات لن يكون هو الحل النهائي لهذه المشكلة الخطيرة، على الرغم من أن وجود رادع قوي يمثل جزءا من الحل، وطالب بالتركيز على الرؤوس الكبيرة من تجار المخدرات وليس صغار البائعين.

واختتم تصريحاته بالقول، إن سد منافذ المرض أولى من معالجة آثاره، مؤكدا أن تعزيز الجانب الأخلاقي وحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وتفعيل القوانين الموجودة بالفعل، سيساهم كثيرا في تقليل انتشار المخدرات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى